الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر رضى الله عنه أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، وحسين بن عبدالله ، وغيرهما من أصحابنا ، أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبدالمطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم الذين ولوا غسله . وإن أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج قال لعلي بن أبي طالب : أنشدك الله يا علي ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل بدر ، قال : ادخل فدخل . فجلس وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه ، وكان أسامة بن زيد ، وشقران ، مولاه هما اللذان يصبان الماء عليه ، وعلي يغسله ، قد أسنده إلى صدره ، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه ، لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلي يقول : بأبي أنت وأمي ، ما أطيبك حياً وميتاً ، ولم ير من رسول الله شيء مما يرى من الميت . وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت ، لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه ، كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ؟ قالت : فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت ، لا يدرون من هو ، أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه ، قالت : فقاموا إلى رسول الله ، فغسلوه وعليه قميصه ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه والقميص دون أيديهم . قال ابن إسحاق : فلما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين ، وبرد حبرة ، أدرج فيها إدراجاً . كما حدثني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، والزهري عن ،علي بن الحسين . قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبدالله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو عبيدة بن الجراح ، يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهل ، هو الذي يحفر لأهل المدينة ، يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما : اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وللأخر اذهب إلى أبي طلحة ، اللهم خر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة ، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، وضع في سريره في بيته ، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ، فقال قائل : ندفنه في مسجده ، وقال قائل : بل ندفنه مع أصحابه ، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ، فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه ، فحفر له تحته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالاً ، دخل الرجال حتى إذا فرغوا أدخل النساء ، حتى فرغ النساء أدخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد . ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن امرأته فاطمة بنت عمارة ، عن عمرة بنت عبدالرحمن بن سعد بن زرارة ، عن عائشة رضى الله عنها ، قالت : ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ، من جوف الليل من ليلة الأربعاء . قال محمد بن إسحاق : وقد حدثتني فاطمة هذا الحديث . قال محمد بن إسحاق : وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب : يا علي أنشدك الله ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : انزل ، فنزل مع القوم ، وقد كان مولاه شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وبنى عليه ، قد أخذ قطيفة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، فدفنها في القبر ، وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً . قال : فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد كان المغيرة بن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : أخذت خاتمي فألقيته في القبر ، وقلت : إن خاتمي سقط مني ، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكون أحدث الناس عهداً به صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن مقسم أبي القاسم مولى عبدالله بن الحارث نوفل ، عن مولاه عبدالله بن الحارث ، قال : اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في زمان عمر ، أو زمان عثمان ، فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب ، فلما فرغ من عمرته ، رجع فسكب له غسل ، فاغتسل ، فلما فرغ من غسله ، دخل عليه نفر من أهل العراق ، فقالوا : يا أبا الحسن جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه ، قال : أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم ، أنه كان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : أجل عن ذلك جئنا نسألك ، قال : كذب قال : أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة حدثته ، قالت : كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشتد به وجعه ، قالت : فهو يضعها مرة على وجهه ، ومرة يكشفها عنه ، ويقول : قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر من ذلك على أمته . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح ابن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة قالت : كان أخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : لا يترك بجزيرة العرب دينان . قال ابن إسحاق : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين ، فكانت عائشة - فيما بلغني - تقول : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ارتد العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، حتى جمعهم الله على أبي بكر . قال ابن هشام :حدثني أبو عبيدة ، وغيره من أهل العلم ، أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هموا بالرجوع عن الإسلام ، وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى ، فقام سهيل بن عمرو فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه ، فتراجع الناس ، وكفوا عما هموا به ، وظهر عتاب بن أسيد . فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب ، إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه . وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري : بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتهمد ولا تمتحى الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد وواضح آثار وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها * أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وعهده * و قبرا بها واراه في الترب ملحد ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت * عيون ومثلاها من الجفن تسعد يذكرن آلاء الرسول وما أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد مفجعة قد شفها فقد أحمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد وما بلغت من كل أمر عشيره * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه أحمد فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد تهيل عليه الترب أيد وأعين * عليه وقد غارت بذلك أسعد لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور وأعضد يبكون من تبكي السماوات يومه * ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد يدل على الرحمن من يقتدي به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا عفوا عن الزلات يقبل عذرهم * وإن يحسنوا فالله بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد فبينا هم في نعمة الله بينهم * دليل به نهج الطريقة يقصد عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا عطوف عليهم لا يثني جناحه * إلى كنف يحنو عليهم ويمهد فبينا هم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم سهم من الموت مقصد فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه حتى المرسلات ويحمد وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكينه بلاط وغرقد ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيه مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد فبكى رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد وما لك لا تبكين ذا النعمة التي * على الناس منها سابغ يتغمد فجودي عليه بالدموع وأعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمد * و لا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفى ذمة بعد ذمة * و أقرب منه نائلا لا ينكد وأبذل منه للطريف وتالد * إذ ضن معطاء بما كان يتلد وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى * وأكرم جدا أبطحيا يسود وأمنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد رباه وليدا فاستتم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند أقول ولا يلقى لقولي عائب * من الناس إلا عازب العقل مبعد وليس هواي نازعا عن ثنائه * لعلي به في جنة الخلد أخلد مع المصطفى أرجو بذاك جواره * وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال عينك لا تنام كأنما * كحلت ما فيها بكحل الأرمد جزعا على المهدي أصبح ثاويا * يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك الترب لهفي ليتني * غيبت قبلك في بقيع الغرقد بأبي وأمي من شهدت وفاته * في يوم الاثنين النبي المهتدي فظللت بعد وفاته متبلدا * متلددا يا ليتني لم أولد أأقيم بعدك بالمدينة بينهم * يا ليني صبحت سم الأسود أو حل أمر الله فينا عاجلا * في روحة من يومنا أو من غد فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا * محضا ضرائبه كريم المحتد يا بكر آمنة المبارك بكرها * ولدته محصنة بسعد الأسعد نورا أضاء على البرية كلها * من يهد للنور المبارك يهتدي يا رب فاجمعنا معا ونبينا * في جنة تثني عيون الحسد في جنة الفردوس فاكتبها لنا * يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد والله اسمع ما بقيت بهالك * إلا بكيت على النبي محمد يا ويح أنصر النبي ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا * سودا وجوههم كلون الإثمد ولقد ولدناه وفينا قبره * وفضول نعمته بنا لم نجحد والله أكرمنا به وهدى به * أنصاره في كل ساعة مشهد صلى الإله ومن يحف بعرشه * والطيبون على المبارك أحمد قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم : نب المساكين أن الخبر فارقهم * مع النبي تولي عنهم سحرا من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي * ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا أم من نعاتب لا نخشى جنادعه * إذ اللسان عتا في القول أو عثرا كان الضياء وكان النور نتبعه * بعد الإله وكان السمع والبصرا فليتنا يوم واروه بملحده * وغيبوه وألقوا فوقه المدرا لم يترك الله منا بعده أحدا * ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا ذلت رقاب بني النجار كلهم * وكان أمرا من أمر الله قد قدرا واقتسم الفيء دون الناس كلهم * وبددوه جهارا بينهم هدرا وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه سلم أيضا : آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني إليه بر غير إفناد تالله ما حملت أنثى ولا وضعت * مثل الرسول نبي الأمة الهادي ولا برا الله خلقا من بريته * أوفى بذمة جار أو بميعاد من الذي كان فينا يستضاء به * مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد أمسى نساؤك عطلن البيوت فما * يضربن فوق قفا ستر بأوتاد مثل الرواهب يلبسن المباذل قد * أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي يا أفضل الناس إني كنت في نهر * أصبحت منه كمثل المفرد الصادي قال ابن هشام :عجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق . تم بعون الله وحسن توفيقه ، الجزء السادس من السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري البصري المتوفي عام 213 الموافق لعام 828 م وبتمامه يتم الكتاب . وكان الفراغ من تحقيقها ومراجعتها وكتابة فهارسها صباح يوم الجمعة 29 جمادى الآخرة عام 1410 ه الموافق 26 يناير 1990 م وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. الخاتمة نرجو من الله حسنها .. يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير ، الذي حرم من نعيمه أهل البعد ، المتكرم بإدخال أهل طاعته الجنة ، فهم أهل السعد ، الخائف وعيد ربه ، الراجي منه الوعد . أبو محمد طه بن عبدالرؤوف سعد ، وأنا معترف بتقصيري وعيوبي وقلة حيلتي وكثرة ذنوبي ، طالبا إلى الله علام الغيوب أن يتوب علي ويغفر ذنوبي . الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله ، صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك والتابعين وتابعيهم بإحسان ، ومن نهج نهجك وسار على سبيلك ، واتبع سنتك إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم . فمهما يقول المؤرخون ، ومهما يصف الواصفون ، فأنت أعز وأكرم ، لأنهم لا يستطيعون أن يحلوك مكانا رفعك الله إليه . يقول تعالى نهاية الكتاب انتهى الكتاب بحمد الله تعالى
|